فصل: سورة الفجر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.سورة الغاشية:

.تفسير الآيات (1- 7):

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)}
قوله تعالى: {هلْ أتاكَ حديثُ الغاشِيةِ} فيها قولان:
أحدهما أنها القيامة تغشى الناس بالأهوال، قاله ابن عباس والضحاك.
الثاني: أنها النار تغشى وجوه الكفار، قاله ابن جبير.
ويحتمل ثالثاً: أنها في هذا الموضع النفخة الثانية للبعث لأنها تغشى جميع الخلق.
و(هل) فيها وجهان:
أحدهما: أنها في موضع قد، وتقدير الكلام قد أتاك حديث الغاشية، قاله قطرب.
الثاني: أنها خرجت مخرج الاستفهام لرسوله، ومعناه ألم يكن قد أتاك حديث الغاشية، فقد أتاك، وهو معنى قول الكلبي.
{وُجوهٌ يومئذٍ خاشِعَةٌ} في الوجوه ها هنا قولان:
أحدهما: عنى وجوه الكفار كلهم، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنها وجوه اليهود والنصارى، قاله ابن عباس.
وفي قوله {يومئذٍ} وجهان:
أحدهما: يعني يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: في النار، قاله قتادة.
{خاشعة} فيه وجهان:
أحدهما: يعني ذليلة بمعاصيها، قاله قتادة.
الثاني: أنها تخشع بعد ذل من عذاب الله فلا تتنعم، قاله سعيد بن جبير.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن تكون خاشعة لتظاهرها بطاعته بعد اعترافها بمعصيته.
{عامِلةٌ نَّاصِبَةٌ} في {عاملة} وجهان:
أحدهما: في الدنيا عاملة بالمعاصي، قاله عكرمة.
الثاني: أنها تكبرت في الدنيا عن طاعة الله تعالى، فأعملها في النار بالانتقال من عذاب إلى عذاب، قاله قتادة.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أي باذلة للعمل بطاعته إن ردّت.
وفي قوله {ناصبة} وجهان:
أحدهما: ناصبة في أعمال المعاصي.
الثاني: ناصبة في النار، قاله قتادة.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أي ناصبة بين يديه تعالى مستجيرة بعفوه.
{تَصْلَى ناراً حاميةً} فإن قيل فما معنى صفتها بالحماء وهي لا تكون إلا حامية وهو أقل أحوالها، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة؟ قيل قد اختلف في المراد بالحامية ها هنا على أربعة أوجه:
أحدها: أن المراد بذلك أنها دائمة الحمى وليست كنار الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها.
الثاني: أن المراد بالحامية أنها حمى يمنع من ارتكاب المحظورات وانتهاك المحارم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه».
الثالث: معناه أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها أو ترام مماستها كما يحي الأسد عرينه، ومثله قول النابغة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ** وتتقي صولة المستأسد الحامي.

الرابع: أنها حامية مما غيظ وغضب، مبالغة في شدة الانتقام، وقد بيّن الله ذلك بقوله {تكاد تميّز من الغيظ}.
{تُسْقَى مِن عَيْنٍ آنِيةٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: قاله ابن زيد.
الثاني: حاضرة.
الثالث: قد بلغت إناها وحان شربها، قاله مجاهد.
الرابع: يعني قد أنى حرها فانتهى واشتد، قاله ابن عباس.
{ليس لَهُمْ طعامٌ إلاّ مِن ضَريعٍ} فيه ستة أقاويل:
أحدها: أنها شجرة تسميها قريش الشبرق، كثيرة الشوك، قاله ابن عباس، قال قتادة وإذا يبس في الصيف فهو ضريع، قال الشاعر:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ** وعاد ضريعاً نازعته النحائص

الثاني: السّلم، قال أبو الجوزاء: كيف يسمن من يأكل الشوك.
الثالث: أنها الحجارة، قاله ابن جبير.
الرابع: أنه النوى المحرق، حكاه يوسف بن يعقوب عن بعض الأعراب.
الخامس: أنه شجر من نار، قاله ابن زيد.
السادس: أن الضريع بمعنى المضروع، أي الذي يضرعون عنده طلباً للخلاص منه، قاله ابن بحر.

.تفسير الآيات (8- 16):

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)}
{في جَنّةٍ عاليةٍ} فيها وجهان:
أحدهما: أن الجنة أعلى من النار فسميت لذلك عالية، قاله الضحاك.
الثاني: أعالي الجنة وغرقها، لأنها منازل العلو والارتفاع.
فعلى هذا في ارتفاعهم فيها وجهان:
أحدهما: ليلتذوا بالعو والارتفاع.
الثاني: ليشاهدوا ما أعد الله لهم فيها من نعيم.
{لا تسْمَعُ فيها لاغيةً} قال الفراء والأخفش: أي لا تسمع فيها كلمة لغو وفي المراد بها سبعة أقاويل:
أحدها: يعني كذباً، قاله ابن عباس.
الثاني: الإثم، قاله قتادة.
الثالث: أنه الشتم، قاله مجاهد.
الرابع: الباطل، قاله يحيى بن سلام.
الخامس: المعصية، قاله الحسن.
السادس: الحلف فلا تسمع في الجنة حالف يمين برة ولا فاجرة، قاله الكلبي.
السابع: لا يسمع في كلامهم كلمة تلغى، لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم، قاله الفراء.
{فيها سُرُرٌ مرفوعةٌ} والسرر جمع سرير، وهو مشتق من السرور وفي وصفها بأنها مرفوعة ثلاثة أوجه:
أحدها: لأن بعضها مرفوع فوق بعض.
الثاني: مرفوعة في أنفسهم لجلالتها وحبهم لها، قاله الفراء.
الثالث: أنها مرفوعة المكان لارتفاعها وعلوها.
فعلى هذا في وصفها بالعلو والارتفاع وجهان:
أحدهما: ليلتذ أهلها بارتفاعها، قاله ابن شجرة.
الثاني: ليشاهدوا بارتفاعهم ما أُعطوه من مُلك وأُوتوه من نعيم، قاله ابن عيسى.
فأما قوله {وأكوابٌ موضوعةٌ} فالأكواب: الأواني، وقد مضى القول في تفسيرها.
وفي قوله {موضوعة} وجهان:
أحدهما: في أيديهم للاستمتاع بالنظر إليها لأنها من ذهب وفضة.
الثاني: يعني أنها مستعملة على الدوام، لاستدامة شربهم منها، قاله المفضل.
{ونمارقُ مَصْفوفَةٌ} فيه وجهان:
أحدهما: الوسائد، واحدها نمرقة، قاله قتادة.
الثاني: المرافق، قاله ابن أبي طلحة، قال الشاعر:
وريم أحمّ المقلتين محبّب ** زرابيُّه مبثوثةٌ ونمارِقُه

{وزرابيُّ مْبْثوثةٌ} فيها وجهان:
أحدهما: هي البسط الفاخرة، قاله ابن عيسى.
الثاني: هي الطنافس المخملة، قاله الكلبي والفراء.
وفي (المبثوثة) أربعة أوجه:
أحدها: مبسوطة، قاله قتادة.
الثاني: بعضها فوق بعض، قاله عكرمة.
الثالث: الكثيرة، قاله الفراء.
الرابع: المتفرقة، قاله ابن قتيبة.

.تفسير الآيات (17- 26):

{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}
{أفلا يَنظُرونَ إلى الإبلِ كيف خُلِقت} الآيات، وفي ذكره لهذه ثلاثة أوجه:
أحدها: ليستدلوا بما فيها من العبر على قدره الله تعالى ووحدانيته.
الثاني: ليعلموا بقدرته على هذه الأمور أنه قادر على بعثهم يوم القيامة، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: أن الله تعالى لما نعت لهم ما في الجنة عجب منه أهل الضلالة، فذكر لهم ذلك مع ما فيه من العجاب ليزول تعجبهم، قاله قتادة.
وفي (الإبل) ها هنا وجهان:
أحدهما: وهو أظهرهما وأشهرهما: أنها الإبل من النَعَم.
الثاني: أنها السحاب، فإن كان المراد بها السحاب فلما فيها من الآيات الدالة على قدرة الله والمنافع العامة لجميع خلقه.
وإن كان المراد بها من النَعَم فإن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوانات، لأن ضروبه أربعة:
حلوبة، وركوبة، وأكولة، وحمولة والإبل تجمع هذه الخلال الأربع، فكانت النعمة بها أعم، وظهور القدرة فيها أتم.
ثم قال تعالى بعد ذلك {فَذَكِّرْ إنّما أنت مُذكِّر} فيه وجهان:
أحدهما: إنما أنت واعظ.
الثاني: ذكّرهم النعم ليخافوا النقم.
{لَسْتَ عليهم بِمُسْيْطِر} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: لست عليهم بمسلط، قاله الضحاك.
الثاني: بجبار، قاله ابن عباس.
الثالث: برب، قاله الحسن، ومعنى الكلام لست عليهم بمسيطر أن تكرههم على الإيمان.
ثم قال: {إلاّ مَن تَولّى وكَفَر} فلست له بمذكر، لأنه لا يقبل تذكيرك، قاله السدي.
الثاني: إلا من تولى وكفر فكِلْه غلى الله تعالى، وهذا قبل القتال، ثم أمر بقتالهم، قاله الحسن.
وفي {تولَّى وكفر} وجهان:
أحدهما: تولى عن الحق وكفر بالنعمة.
الثاني: تولى عن الرسول وكفر بالله تعالى، قاله الضحاك.
{فيُعذِّبه الله العذَابَ الأكْبَر} يعني جهنم.
ويحتمل أن يريد الخلود فيها، لأنه يصير بالاستدامة أكبر من المنقطع. {إنّ إليْنا إيابَهُمْ} أي مرجعهم.
{ثم إنّ علينا حِسابَهم} يعني جزاءَهم على أعمالهم، فيكون ذلك جامعاً بين الوعد والوعيد ثواباً على الطاعات وعقاباً على المعاصي.

.سورة الفجر:

.تفسير الآيات (1- 14):

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)}
قوله تعالى: {والفَجْر} قسم أقسم الله تعالى به، وهو انفجار الصبح من أفق المشرق، وهما فجران:
فالأول منهما مستطيل كذنب السرحان يبدو كعمود نور لا عرض له، ثم يغيب لظلام يتخلله، ويسمى هذا الفجر المبشر للصبح، وبعضهم يسميه الكاذب لأنه كذب بالصبح.
وهو من جملة الليل لا تأثير له في صلاة ولا صوم.
وأما الثاني فهو مستطيل النور منتشر في الأفق ويسمى الفجر الصادق لأنه صدقك عن الصبح، قال الشاعر:
شعب الكلاب الضاريات فزاده ** ناراً بذي الصبح المصدق يخفق

وبه يتعلق حكم الصلاة والصوم، وقد ذكرنا ذلك من قبل.
وفي قسم الله بالفجر أربعة أقاويل:
أحدها: أنه عنى به النهار وعبر عنه بالفجر لأنه أوله، قاله ابن عباس.
الثاني: أن الفجر الصبح الذي يبدأ به النهار من كل يوم، قاله علّي رضي الله عنه.
الثالث: أنه عنى به صلاة الصبح، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
الرابع: أنه أراد به فجر يوم النحر خاصة، قاله مجاهد.
وفي {وليالٍ عشْرٍ}- وهي قسم ثان- أربعة أقاويل:
أحدها: هي عشر ذي الحجة، قاله ابن عباس، وقد روى أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والفجر وليال عشر، قال: عشر الأضحى».
الثاني: هي عشر من أول المحرم، حكاه الطبري.
الثالث: هي العشر الأواخر من شهر رمضان، وهذا مروي عن ابن عباس.
الرابع: هي عشر موسى عليه السلام التي أتمها الله سبحانه له، قاله مجاهد.
{والشّفْعِ والوَتْرِ} وهذا قسم ثالث، وفيهما تسعة أقاويل:
أحدها: أنها الصلاة، فياه شفع وفيها وتر، رواه عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: هي صلاة المغرب، الشفع منها ركعتان، والوتر الثالثة، قاله الربيع بن أنس وأبو العالية.
الثالث: أن الشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة، رواه ابن الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الرابع: أن الشفع يوما منى الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، والوتر الثالث بعدهما، قاله ابن الزبير.
الخامس: أن الشفع عشر ذي الحجة، والوتر أيام منى الثلاثة، قاله الضحاك.
السادس: أن الشفع الخلق من كل شيء، والوتر هو آدم وحواء، لأن آدم كان فرداً فشفع بزوجته حواء فصار شفعاً بعد وتر، رواه ابن نجيح.
التاسع: أنه العدد لأن جميعه شفع ووتر، قاله الحسن.
ويحتمل حادي عشر: أن الشفع ما يَنْمى، والوتر مالا يَنْمى.
{واللّيْلِ إذا يَسْرِ} وهذا قسم رابع، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هي ليلة القدر لسراية الرحمة فيها واختصاصها بزيادة الثواب فيها.
الثاني: هي ليلة المزدلفة خاصة لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة الله، وسئل محمد بن كعب عن قوله تعالى: {والليل إذا يَسْرِ} فقال أسْر يا ساري، ولا تبيتنّ إلا بجمع، يعني بمزدلفة.
الثالث: أنه أراد عموم الليل كله.
وفي قوله {إذا يسرِ} ثلاثة أوجه:
أحدها: إذا أظلم، قاله ابن عباس.
الثاني: إذا سار، لأن الليل يسير بمسير الشمس والفلك فينتقل من أفق إلى أفق، ومنه قولهم جاء الليل وذهب النهار.
الثالث: إذا سار فيه أهله، لأن السرى سير الليل.
{هل في ذلك قَسَمٌ لذي حجْرٍ} وفي ذي الحجر لأهل التأويل خمسة أقاويل:
أحدها: لذي عقل، قاله ابن عباس.
الثاني: لذي حلم، قاله الحسن.
الثالث: لذي دين، قاله محمد بن كعب.
الرابع: لذي ستر، قاله أبو مالك.
الخامس: لذي علم، قاله أبو رجاء.
والحجر: المنع، ومنه اشتق اسم الحجر لامتناعه بصلابته، ولذلك سميت الحجرة لامتناع ما فيها بها، ومنه سمي حجر المَولَّى عليه لما فيه من منعه عن التصرف، فجاز أن يحمل معناه على كل واحد من هذه التأويلات لما يضمنه من المنع.
وقال مقاتل (هل) ها هنا في موضع إنّ، وتقدير الكلام: إن في ذلك قسماً لِذي حِجْر.
{ألم تَرَ كيف فَعَل ربُّك بعادٍ * إرَمَ} فيه سبعة أقاويل:
أحدها: أن إرم هي الأرض، قاله قتادة.
الثاني: دمشق، قاله عكرمة.
الثالث: الإسكندرية، قاله محمد بن كعب.
الرابع: أن إرم أُمة من الأمم، قاله مجاهد، قال الشاعر:
كما سخرت به إرم فأضحوا ** مثل أحلام النيام.

الخامس: أنه اسم قبيلة من عاد، قاله قتادة.
السادس: أن إرم اسم جد عاد، قاله محمد بن إسحاق، وحكى عنه أنه أبوه، وأنه عاد بن إرم بن عوض بن سام بن نوح.
السابع: أن معنى إرم القديمة، رواه ابن أبي نجيح.
الثامن: أنه الهلاك، يقال: أرم بنو فلان، أي هلكوا، قاله الضحاك.
التاسع: أن الله تعالى رمّهم رّماً فجعلهم رميماً، فلذلك سماهم، قاله السدي.
{ذاتِ العمادِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: ذات الطُّول، قال ابن عباس مأخوذ من قولهم رجل معمّد، إذا كان طويلاً، وزعم قتادة. أنه كان طول الرجل منهم اثني عشر ذراعاً.
الثاني: ذات العماد لأنهم كانوا أهل خيام وأعمدة، ينتجعون الغيوث، قاله مجاهد.
الثالث: ذات القوة والشدة، مأخوذ من قوة الأعمدة، قاله الضحاك، وحكى ثور بن يزيد أنه قال: أنا شداد بن عاد، وأنا الذي رفعت العماد، وأنا الذي شددت بذراعي بطن السواد، وأنا الذي كنزت كنزاً على سبعة أذرع لا تخرجه إلا أمة محمد.
الرابع: ذات العماد المحكم بالعماد، قاله ابن زيد.
{التي لم يُخْلَقْ مِثْلُها في البلادِ} فيه وجهان:
أحدهما: لم يخلق مثل مدينتهم ذات العماد في البلاد، قاله عكرمة.
الثاني: لم يخلق مثل قوم عاد في البلاد، لطولهم وشدتهم، قاله الحسن.
{وثمودَ الذين جابُوا الصّخْرَ بالوادِ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني قطعوا الصخر ونقبوه ونحتوه حتى جعلوه بيوتاً، كما قال تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين} قال الشاعر:
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا الله باطِلٌ ** وكلُّ نعيمِ لا مَحالةَ زائلُ

وقال آخر:
وهم ضربوا في كل صماءَ صعدة ** بأيدٍ شديد من شداد السواعد.

الثاني: معناه طافوا لأخذ الصخر بالوادي، كما قال الشاعر:
ولا رأَيْت قلوصاً قبْلها حَمَلَتْ ** ستين وسقاً ولا جابَتْ به بَلَدا

وأما {الواد} فقد زعم محمد بن إسحاق أنه وادي القرى، وروى أبو الأشهب عن أبي نضرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك على وادي ثمود، وهو على فرس أشقر، فقال: أسرعوا السير فإنكم في واد ملعون.
{وفرعونَ ذِي الأوْتادِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن الأوتاد الجنود، فلذلك سمي بذي الأوتاد لكثرة جنوده، قاله ابن عباس.
الثاني: لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد يشدها في أيديهم، قاله الحسن، ومجاهد، قال الكلبي: بمثل ذلك عذب فرعون زوجته آسية بنت مزاحم عندما آمنت حتى ماتت.
الثالث: أن الأوتاد البنيان فسمي بذي الأوتاد لكثرة بنائه، قاله الضحاك.
الرابع: لأنه كانت له فطال وملاعب على أوتاد وحبال يلعب له تحتها، قاله قتادة.
ويحتمل خامساً: أنه ذو الأوتاد لكثرة نخلة وشجرة، لأنها كالأوتاد في الأرض.
{فَصَبَّ عليهم ربُّك سَوْطَ عذابٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: قسط عذاب كالعذاب بالسوط، قاله ابن عيسى.
الثاني: خلط عذاب، لأنه أنواع ومنه قول الشاعر:
أحارثُ إنّا لو تُساطُ دماؤنا ** تَزَيّلْنَ حتى لا يَمسَّ دَمٌ دَمَا

الثالث: أنه وجع من العذاب، قاله السدي.
الرابع: أنه كل شيء عذب الله به فهو سوط عذاب، قاله قتادة.
وقال قتادة: كان سوط عذاب هو الغرق.
{إنّ ربك لبالمرصاد} فيه وجهان:
أحدهما: بالطريق.
الثاني: بالانتظار، كما قال طرفة:
أعاذلُ إنّ الجهْلَ من لَذِةِ الفتى ** وإنّ المنايا للرجال بمرصَد.